نحو خلافة راشدة
مسؤولية العُلماء والمُفكرين والدُعاة
في
الصَلاح والإصلاح،
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾الرعد.
لأبي القاسم
يسٓ الكليدار الرضوي الحسيني الهاشمي،
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ،
اما بعد ،،
في الوقت الذي تُعاني فيه أمَّتُنا الإسلامية من الأزمات والنكبات والإنهيارات المتوالية على كافة المستويات و الصُعد، الفكرية والثقافية والسياسية والأقتصادية والأجتماعية، وفي ظل تلاطم ألامواج العاتية التي تحيق بالأمة ومجتمعاتنا الاسلامية داخليًّا وخارجيًّا،
فلا يخفى على كل أريبٍ بان من آخطر هذه الأزمات التي تواجه المجتمع الإسلامي وتستهدف الامة في صميمها هي أزمة الهوية،
بعد ان أتقن الأعداء صنعتهم واجادوا في إستخدام ادواتهم فأحاقوا بها بالمكرالسيء، ووظفوا معاول الهدْم في بنيانها أيما توظيف، وفعلوا بها الافاعيل،
حتى امسى الانتساب للامة الإسلامية او تبني عقيدتها الحق ومنهاجها السماوي وصمة ًعلى من يجرؤا على إعلان انتسابه لها، كما يسوقه اعداء الامة من دول وحكومات الطغيان العالمي!
بل وأوجبوا على الامة افرادا ً وجماعات حكاماً ومحكومين الانسلاخ منها حتى لا يُتهموا بالارهاب او التخلف او الرجعية!!
و قد وضعوا دستورا وديناً عالمياً من اهم شرائعه واركانه هو الحرب على الملة المحمدية وكل ما له صلة بالاسلام،
وأمسى من يحكمون بلدان الامة وشعوبها مجرد ادوات لهدم بنيان الامة والحرب على دينها،
و راح هؤلاء الحكام يتسابقون فيما بينهم ايهم أجدر بان يرضى عنه اعداء الامة واعداء الاسلام!،
وبذلوا في سبيل ان يرضى عنهم اعداء الامة كل ما طالته ايديهم من ثروات الامة المنهوبة بعد ان جعلوها خالصة لهم ولزبانيتهم والحصة الاكبر منها تذهب لحكومات دول الطغيان العالمي لتمويل اقتصادات بلدانهم وتمويل الحرب العالمية على الإسلام واهله!
وانه من ما يؤسف حقاً ان نرى في زماننا ً شعوباً وافراداً وجماعات من المحسوبين على الامة او من الذين كانوا على مدى عقود ٍ خلت يدعون الانتصار للإسلام ويدعون تصدر صفوف الامة والدفاع عنها وعن عقيدتها ومقدساتها،
قد انساقوا خلف الشيطان واعداء الأمة و امسوا ادوات بيد العدو للحرب على الامة ودينها، فأمسى الكثير من المحسوبين على الامة حكاماً وافرادا ً وجماعات يهرعون خلف الشيطان وشريعته!
ويقدمون افضل ما لديهم في سبيل ان يرضى عنهم الشيطان!
ولسان حالهم يقول كما قال سحرة فرعون:
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ!
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ!
ولكنهم احقر مقاماً من حال السحرة في ذلك الموضع، فالسحرة كان لهم اجراً مقابل مكرهم وسحرهم و وقوفهم في صف فرعون، ومن ثم هداهم الله بعد ان رأوا آيات الله على يد نبيه موسى عليه السلام،
اما هؤلاء البؤساء فهم من يقدمون الاجر والأموال للعدو لمجرد ان يقبلهم في صفه و يمنحهم بركته وليستعملهم لاحقا في حربه على الملة المحمدية!!
و لكن يابى الله إلا ان يفضح زيف معادنهم و يفضح حقيقة نفاقهم،
حتى استجروا الكثير من ابناء الامة الى غياهب فقدان الهوية وضياع بوصلة الحق فصار عندهم الحق باطلاً والباطل حقا على سيرة آباءهم الأولين!،
فالتحقوا بقرون خلت في الامة تعاقبت فيها أجيال وعاشت في ظل التغييب الفكري وسيادة ثقافة الإنهزام!
أجيال استمرأوا الذل والانكسار والتبعية وعيشة العبيد!
فكانوا كغيرهم عبئاً على الامة وحضارتها وهويتها وعلى الغاية والمهمة التي اختارها الله لها،
وتوقفت مسيرةَ الامة قرون طويلة بعد ان ابتعد او استنكف ابناءها عن اداء واجباتهم تجاه الامة ودينها ومنهاجها الحق، في حمل رسالتها السماوية لنشر نور الهداية الربانية الى ربوع العالم، وجاءت اجيال وتعاقبت وهي فاقدة للهوية،
حتى وصلنا الى زماننا الذي اصبحت فيه الهوية العربية الاسلامية عبئاً ثقيلاً لا يطيق حمله الكثير من المحسوبين على الامة، واليوم نراهم ينسلخون منها افواجاً وجماعات،
ولكن و بالرغم من كل ذلك، و بالرغم من قرون خلت واجيال في الأمة تعاقبت وهي تتوارث الذل والركوع والإنكسار،
إلا ان اعداء الامة يعلمون يقينا بان امتنا تمتلك كل المقومات لتنهض من جديد، ويعلمون يقيناً بأن جذوة الإيمان والإسلام في قلوب الكثير من ابناء الامة لا يمكن لها ان تنطفئ،
وان الله الملك الحق دائماً ما يقوض لهذا الدين رجال، يأخذون على عاتقهم ايقاظ الامة من جديد،
وهذه هي كلمة السر التي اودعها الله في هذه الامة، فقدر هذه الامة ان تكون الامة الوارثة والخاتمة،
ان امتنا وبالرغم من كل ما جرى عليها من مؤامرات ومحن و مخططات تفتيت وتدمير وحروب ابادة شاملة مباشرة استهدفت في المقام الاول استأصال هويتها وعقيدتها ودينها وإزالة وجودها،
خصوصا في القرن الاخير او ما سماه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بقرن الشيطان، الذي وظف فيه الشيطان ورهطه كل امكانياتهم وطاقتهم وادواتهم وخوارهم لإركاس الامة وابناءها والى الابد، حتى احكموا سيطرتهم على كل اركانها وعلى قدس اقداسها، ولكن هيهات..فوعد الله واقع لامحالة.
وان الأمة المحمدية اليوم باتت مهيئة أكثر من اي زمان مضى لتستعيد دورها ومجدها ولتنهض من جديد بعد ان فشلت كل محاولات الاعداء ومخططاتهم في ازالتها وطمس هويتها،
وانها لا تحتاج سوى لرجال حق صادقين صالحين يوقدون في صدور ابناءها جذوة الحق والنور المبين لتنهض الامة من جديد، لتستعيد دورها العقائدي والحضاري والإنساني ولتقف امم العالم اجمع لتتعلم منها،
ومن اجل ذلك فان امتنا اليوم أحوجُ ما تكون إلى عُلماء ربانيِّين صادقين صالحين لم تتلوث معادنهم بالخَبث الذي ملأ قوارع الطرقات وكراسي الحكام والسلاطين،
وتحتاج الى مفكِّرين ذوو همة وغاية سامية لخدمة الامة لم تتلوث عقولهم بالأفكار المسمومة المصدرة من اقبية مخابرات الأعداء،
وتحتاج الى دعاة حق يَدْعون من ضلَّ إلى الهُدى، بالحكمة والموعظة الحسنة، ويسيرون على نهج ما رسمه لهم الملك الحق،
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ "النحل".
وما وصى به النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا
رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي.
ليُحيون بنور الهداية الربانية وبكتاب الله ما مات من القلوب، ويُبصِّرون بنور الله أهلَ العمى، ويَصبرون على ما يصيبهم من الأذى، فقرون من الجهل والابتعاد عن منهاج الله الذي اصاب الاجيال في هذه الامة بمكر اعدائها كانت كفيلة بان تفعل فيهم الأفاعيل،
لذلك فان غياب دور العلماء الربانيين والمفكرين الصادقين والدعاة الصالحين هو أخطر على الامة من اقوى جيوش الاعداء،
وان ما تحتاجه الامة في هذا التوقيت وهو التوقيت الاخطر الذي تحالف به الشرق والغرب وكل رعايا الشيطان ضد الامة ودينها وهويتها،
هو ان يتقدم هؤلاء جميعاً الى مقدمة الصفوف وأن يَتولَّوا زمامَ المبادرة بأنفسهم لرأب الصدع، وإلا لن يكونوا قد أدوا الأمانة التي جعلها الله في اعناق كل فرد من ابناء الامة وكل حسب مرتبته و مكانه وقدر العلم الذي يحمله، وأن يكونوا قريبين مِن الناس ويؤازروهم للثبات على الحق في كل وقت وخصوصاً في زماننا وهو زمان الفِتن.
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما،
وان كثيراً من ما نراه اليوم من سلبيات و وقائع واحداث مؤسفة ومسارات خاطئة وإنحرافات خطيرة تسير عليها مجتمعاتنا الاسلامية كان سببها تقاعس من انيطت بهم المسؤوليات في اداء واجباتهم،
فعندما تراجع هؤلاء عن اداء واجباتهم تجاه الامة ودينها وتقاعسوا في الدفاع عن بيضة الامة واسوارها، تقدَّم غيرُهم ممَّن ليسوا أهلًا للقيادة وليسوا أهلا للهداية، فجروا الامة وابنائها الى مهاوي الردى؛
"حتى إذا لم يَجِدِ الناس عالِمًا اتَّخذوا رؤوسًا جهَّالاً، فسألوهم فأفتَوْهم بغير عِلم، فضلُّوا وأضلُّوا"،
فوجب اليوم على كل فرد من ابناء الامة وخصوصاً على علماءها ومفكريها ودعاتها أن تصبَّ جهودهم حيث تُعظُم الحاجة، لتقويم ما اعوجَّ من حال الأمَّة، وللَمْلَمة ما تبعثر منها.
إنَّ الإصلاح والصلاح المطلوب اليوم للامة وشعوبها وابناءها وجب ان يرتكِز ويبدأ بتغيير الإنسان بما أوْدَع الله فيه مِن العقل والفِطرة السليمة والبصيرة، وأختار الإنسان ليستخلفه في الارض وليكون أهلًا لقيادة الإعمار، إعمار القلوب و معادن النفوس والذي يترتب عليه اعمار الارض وتحقيق الغاية من الاستخلاف عليها،
ومن ذلك كان المطلب الاول الذي تتحقق من خلاله هذه الغاية هو تغييرَ ما في النفوس أولًا لتتحقق الهداية الربانية بعدها؛ ومن ثم ليتحقق الازدهار والاعمار،
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]،
فالحل منوطٌ بتكوين الإنسان المقر بالحقِّ و العارف بمسؤولياته تجاه الخلْق، لذلك فأن بناء منظومة القِيم والأخلاق من الاولويات الملقاة على عاتق العلماء والمفكرين والدعاة ومن ثم تاتي على بقية افراد الأمة كلٌ حسب مكانته ومرتبته وما منحه الله من امكانيات،
ليبدا البناء ولتشحذ الهمم ولنلتمس ادوات ومقومات التمكين للأمة مستعينين بحسن التوكل على الله،
وان لا تتكل الامة على القائمين عليها اليوم من حكام وامراء وملوك،
فهؤلاء لم ولن يكونوا الا من اهم الادوات التي وظفها اعداء الامة لهدم بنيانها وانتزاع صدارتها والحرب على عقيدتها واسقاط ابناءها في غياهب الجهل والتغييب والإنكسار والهزيمة على كل المستويات،
وتاريخهم على مدى قرن مضى من الزمان كفيل بان يعطي الدروس العظيمة لكل من اراد البينة،
ولنعمل على مبدأ ان الحقوق تنتزع إنتزاعاً ولا تستجدى، وانه من الحماقة بمكان ان ينتظر ابناء الامة من الاعداء بحكوماتهم ومنظماتهم التي يطلقون عليها بالعالمية ان ينصفوا الامة وابناءها او يمنحوها الحق او الوقت لتقرر ما تريد او لتعيد امجادها وتسترد جلبابها الحق الذي اراده الله لها بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه من بعده،
وان لا ينسى ابناء الامة بان العالم كله قد خسر الكثير عندما فقدت امتنا مكانتها في قيادة كل الامم الى نور الهداية الربانية،
فلننتزع حقوقنا و نفرض وجودنا و احترامنا على كل الأمم مرة اخرى،
وقطعاً فان هذا لن يكون الا من خلال عودة الارادة لدى ابناء الامة ومن خلال عودتهم الى هويتهم الحق التي ارتضاها الله لهم، والعمل على تأصيل الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق ابناءها كل وفق مسؤولياته، وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ليتحقق لهم العلو والسيادة مرة اخرى،
وليتحقق مبدأ الاختيار الرباني لهذه الامة مرة اخرى والذي بنيت عليه قواعد علو وازدهار الأمة والحضارة الإسلاميَّة فيما مضى من زمان، والتي استمدت أصولها وفرُوعها وشُعبها مِن عقيدة التوحيد الخالص لله، ونور الشريعة والرسالة التي نزلت على محمد بن عبد الله العربي الهاشمي القرشي،
وصلى الله على النبي المصطفى وعلى آله وسلم.